الجمعة، 22 يونيو 2012

مبادئ نموذج التعليم المدمج بالدماغ



1-  الذكاء نتيجة للخبرة: 

لقد تحولت النظرة القديمة في ظل أبحاث الدماغ- من النظر للذكاء على أنه سمة ثابتة، بمعنى أن ما ولدت به سيبقى كما هو، إلى النظر إلى الذكاء باعتباره نتيجة للخبرة التي نتحصل عليها من خلال تفاعلنا مع البيئة الغنية. إن البيئة الغنية تؤدي إلى نمو فسيولوجي في الدماغ يمكن قياسه، ومن ثم تكوين شبكة قوية في الدماغ تساعد على حمل المعارف الجديدة.

إن الكيفية التي تنظم بها النيورونات نفسها، والكيفية التي ترتبط بها بعضها ببعض بمساعدة البيئة الغنية، ينشأ عنها ما نراه من مظاهر التعلم، كما ينشأ عنها الخاصية التي نطلق عليها الذكاء. ويؤكد الخبراء أن أفضل طريقة لتنمية قدرة الدماغ على التعلم والتفكير وتوسيع شبكة الارتباطات فيه، هي تعريض الإنسان إلى أنماط متنوعة من المشكلات التي تتحدى تفكيره، ومحاولة التغلب عليها، ومن ثم أصبح التعريف للذكاء في ضوء أبحاث الدماغ بأنه القدرة على حل المشكلات، أو القدرة على تقديم نواتج مفيدة. 

2-  التعلم علاقة بين الجسم والدماغ غير قابلة للانفصال: 

هناك وجهان للشراكة بين الجسم والدماغ ينطويان على أهمية بالغة بالنسبة لغرفة الصف وهما: 

أ- الانفعال مفتاح التعلم والأداء: 

فالانفعال يقود إلى الانتباه والانتباه يقود إلى التعلم والتذكر وحل المشكلات، وإلى كل الأشياء الأخرى تقريبًا. إن وظيفة الجهاز الانفعالي الواقع في الجزء الأمامي من الدماغ تحت القشرة الدماغية هي السيطرة على الانفعالات، وهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بجميع أجزاء الدماغ.

وتؤكد أبحاث الدماغ أن اللوزة - التي هي مركز الذاكرة الانفعالية- هي الأكثر ارتباطًا بالعواطف، وهذا الاكتشاف يدل على أن العواطف تؤثر كثيرًا في طرق التفكير التي تعالج بها الأمور. فالحياة بدون اللوزة هي حياة مجردة من أي معنى من معانى الشخصية.

ب- الحركة تعزز التعلم: 

فحركة الجسم تنمي التعلم من جهات عدة، كما أن مراكز الحركة في الدماغ تتحمل مسئولية التفكير المتسلسل. إن النتائج الأساسية المتصلة بالعلاقة بين الحركة والإدراك المعرفي تتمثل فيما يأتي: 

-
الحركة عامل رئيس بالنسبة للوجود الفعلي للدماغ، فالكائن الحي الذي يتحرك من مكان إلى آخر هو فقط الذي يحتاج إلى دماغ النصف الأمامى من الدماغ بأكمله مخصص لتنظيم العمل العقلي والبدنى، لقد نشأت وظائف الدماغ العليا من الحركة، ولازالت تعتمد عليها.

-
الحركة مسألة بالغة الأهمية لكل وظيفة من وظائف الدماغ بما في ذلك التخطيط، وتنفيذ الخطط، والتذكر، والانفعال، واللغة، والتعلم.

-
القدرة على التقليد والمحاكاة- وهي إحدى الطرق الأكثر قوة التي يستخدمها الصغار للتعلم- تستند إلى الحركة. 

إذا كان ذلك هو الحال، فإنه من الواضح أن جعل الطلاب يجلسون بهدوء في صفوف يُعد السيناريو الأسوأ بالنسبة للدماغ.

3-  أثـر الشخصـية: 

إن تفضيلات الشخصية وأمزجتها تؤثر بقوة على عملية التعلم، حيث تؤثر على كيفية استيعاب المتعلمين للمعلومات وعلى كيفية تنظيم أنفسهم خلال التعلم عند تطبيقه، وعلى الأهمية التي يوعونها عند اتخاذ القرارات، وكذلك اتجاهاتهم نحو الآخرين. 

إن هذا المفهوم يصف التركيبة الداخلية للدماغ. كيف يعمل عندما يستقبل معطى حسيًا، وكيف يهضمه لتكوين معنى منه، وكيف يربطه بالمعارف السابقة، ويجعله ذا معنى، ويطبقه. 

فهناك الحسيون الذين يتعلمون من خلال التفاصيل مع معطى ملموس يمكن رؤيته أو سماعه أو لمسه أو تجربته.. إلخ. وهناك البديهيون الذين يفضلون التعامل بالصورة الكلية وينطلقون من خلالها لإعطاء معنى للجزئيات. 

إن أثر الشخصية في الممارسات التربوية والتحصيل كبير جدًا، لذا يجب علينا أن نعترف ونقدر اختلافاتنا، ونتعلم كيف نجعلها عاملًا مفيدًا، وقيمة مضافة بدلًا من أن نجعلها عامل إثارة، ثم يجب أن نعي أن التعلم القوي (المتعمق والسريع مع القدرة على تطبيقه) يحدث عندما يكون المتعلمون قادرين على العمل على نحو يتسق مع تركيبتهم العقلية. 

لذا يجب أن تعيد المدارس بناء نفسها لتتلاءم مع الأطفال بدلًا من أن نتوقع من الأطفال أن يغيروا طريقة تعلمهم في محاولة للتلاؤم مع طريقة تعليم المدارس. 

4-  الذكـاءات المتعـددة: 

لإدراك القوة الكامنة في نظرية الذكاءات المتعددة فإنه يتعين على المرء أن يميز بين الكيفية التي يستقبل بها الطلاب المعلومات (الأشكال البصرية، والسمعية، واللمسية، والحركية) في مقابل الكيفية التي يعالجون بها تلك المعلومات داخل أدمغتهم من أجل تكوين معنى للمعطى أولًا، ومن ثم استخدامه للتطبيق العملي في عالم الواقع. إن هذه الذكاءات هي مجموعات من مهارات حل المشكلات، وليست مجرد بوابات تمر عبرها المعلومات للوصول إلى الدماغ. 

-
الذكاء اللغوى: ومركزه على الأغلب نصف الدماغ الأيسر، في الفصوص الصدغية والأمامية. 

-
الذكاء المكاني: ومركزه الأساسي نصف الدماغ الأيمن. 

-
الذكاء الجسمي/ الحركى: يميل هذا الذكاء إلى التمركز في نصف الدماغ الأيسر عند الأفراد اليمينيين، ويميل إلى التمركز في نصف الدماغ الأيمن عند الأفراد اليساريين.

-
الذكاء الموسيقي: ومركزه نصف الدماغ الأيمن. 

-
الذكاء الضمنشخصي: وهذا الذكاء يتضمن فحص الفرد لمشاعره ومعرفته بها. 

-
الذكاء البينشخصي: ويتضمن النظر إلى خارج الذات نحو سلوك الآخرين ومشاعرهم ودوافعهم.

-
الذكاء الطبيعي: وهو ذكاء يسمح للأفراد بأن يميزوا بين سمات البيئة ويصنفوها ويستخدموها. 

5- التعلم عملية مكونة من خطوتين: 

أ- اكتشاف الأنماط وفهمها، وهي عملية يقوم الدماغ من خلالها بتكوين معنى:

إن السمة الأبرز لدماغ الإنسان هي ولعه الملموس بالبحث عن أنماط واكتشافها.. والنمط عبارة عن وحدة مثل: أي شيء، أو عمل، أو إجراء، أو موقف، أو علاقة، أو نظام يمكن التعرف عليه من خلال اتساق مادي حقيقي في التلميحات والإرشادات التي يقدمها الدماغ.

يؤكد «Hart» أنه ليس هناك جزء في دماغ الإنسان يكون بطبيعته منطقيًا أثناء تعلمه، بمعنى أثناء تكوينه للمعنى، وهذا يختلف عن قدرته على استخدام المعلومات التي تم تعلمها بطريقة منطقية أو مرتبة إذا ما تطلب الموقف ذلك. 

ب- تكوين برامج عقلية ذات معنى لاستخدام مـا تم فهمه وتخزينه في الذاكرة الطويلة الأجل، بمساعدة من طرف آخر في البداية، ثم استخدامه فيما بعد بشكل تلقائي تقريبًا.

ويعرف «Hart» البرنامج بأنه سلسلة من الخطوات أو الأعمال القصد منها تحقيق غاية ما، والذي ما إن يبنى يخزن في الدماغ وينفذ بشكل متكرر كلما رأي الشخص أن هناك حاجة لتحقيق نفس الغاية. قد يكون البرنامج قصيرًا مثل إعطاء إيماءة بالرأس إشارة إلى الموافقة، أو قد يكون طويلًا مثل عزف مقطوعة موسيقية باستخدام البيانو، والذي يتطلب آلافًا من الخطوات.

العناصر المنسجمة مع الدماغ والجسم: 

يقدم نموذج التعليم المدمج تسع طرق لترجمة أبحاث الدماغ إلى تطبيقات عملية في غرفة الصف وقد جرت مناقشتها بالترتيب حسب قوتها في ترجمة الشراكة بين الدماغ والجسم إلى استراتيجيات عملية في الممارسات التربوية. 

1-  غياب التهديد/ تعزيز التفكير التأملى:

إذا كانت أبحاث الدماغ تؤكد أن الانفعالات هي مفتاح التعلم وبوابته، وأنها التي تقود إلى الانتباه والتذكر وحل المشكلات... إلخ. لذا كان من الأهمية بمكان تهيئة بيئة تعليمية تعلمية خالية من التهديد، بما يسهم في توفير بيئة تساعد على تحقيق التفكير التأملى. 

إن هاتين الخصيصتين تمثلان جوهر وروح العلاقة بين الدماغ والجسم. 

يؤكد الدكتور «John Ratey» أن الضجيج العقلي الزائد الذي يدور في الدماغ كنتيجة للتعامل مع التهديد والتوترات يمكن أن يجعل من الصعب علينا أن ندرك ما يجرى، حيث يضيف أعباءً زائدة للدوائر الأخرى المتمثلة بالانتباه، والذاكرة، والتعلم، والإدراك المعرفي، والاستقرار الانفعالى، أو أية وظيفة أخرى من وظائف الدماغ. 

إن أدمغة المتوترين تدخل أجهزتهم العصبية في زيادة حمل معلوماتى، فلو دخلوا اختبارًا- مثلًا- فإنهم ينظرون إلى أسئلة الاختبار ولا يرون بالفعل كلمات معينة مما يجعلهم يسيئون فهمه ويعطون بالتالي إجابة خاطئة. بل إنهم قد لا يرون حتمًا أسئلة بأكملها في الورقة الامتحانية، فأدمغتهم مشغولة جدًا في التعامل مع الضجيج لدرجة أن القنوات البصرية في الدماغ غير مفتوحة لتدرك أو ترى بشكل سليم. 

إن القدرة على التفكير التأملي يخفف من حدة التوتر ويحسن التعلم، وفي غياب التفكير التأملي سيبقى التعلم سطحيًا ومخزنًا في الذاكرة القصيرة الأجل، وربما يخفق الدماغ في أخذ قراره لتخزينه في الذاكرة الطويلة الأجل. 

في كثير من الأحيان نجد أنفسنا مستغرقين في متابعة شىء ما لدرجة أننا نفقد الشعور بالوقت ولا نتابعه، حتى إن المشتتات الخارجية تبقى بلا تأثير. يقدم Mihaly Csikszentimihalyi وصفًا رائعًا للحالة العقلية التي هي موطن التفكير التأملي يطلق عليها حالة «الخبرة الانسيابية»، وتتحقق هذه الحالة عندما نجد أنفسنا مستغرقين بالكامل في مكان تتفاعل فيه قلوبنا وعقولنا ورغباتنا في وقت واحد وإلى درجة لا تستطيع معها المشتتات الخارجية اختراقنا. إن مصطلح «الانسياب» يعكس الحالة العقلية المثالية للتعلم، لأن الانهماك فيه يكون قويًا كما أن التعلم يبدو بلا جهد.

2-الحركــة:

لا شك أن للحركة دورًا فاعلًا في تعزيز التعلم المنسجم مع الدماغ. إنها تضفي المتعة، وتضبط الحالة الانفعالية، وتسهم في إعادة النشاط وتخفيف الضغط عن الطلاب المتوترين. إن التخطيط للحركة رغبة في تطبيق المفاهيم والمهارات التي يتم السيطرة عليها يؤدي إلى استيقاظ أجزاء إضافية من الدماغ، ويساعد على تخزين المحتوى في تلك الأجزاء.

لذا فإن المعلم الذي يسعى حثيثًا للبحث عن مفتاح لعقول الطلاب وقلوبهم، نقول له: تهانينا لقد وجدته.. إنه الحركة!! يجب أن نعيد النظر- إذن- في التعامل مع التربية الرياضية باعتبارها مجرد «ألعاب»، أو ممارسة للرياضة، إلى التعاطي معها باعتبارها «الحركة من أجل التعلم».

3-  التعــاون: 

السمة الغالبة على التعلم هي أنه يحدث في سياق اجتماعي فنحن مفطورون جينيًا على التعلم على هذا النحو.. فتنمية الذكاءات المتعددة تحتاج إلى أسلوب التعلم التعاونى، وهو من أقوى الأدوات لتحقيق ذلك، إذ إن المجموعة التعليمية المكونة من ذوي قدرات ذكائية مختلفة تقدم نتيجة أكثر فاعلية، كما أن هذه المجموعات المتنوعة تساعد الطلاب في ممارسة البحث عن أنماط. 

ومن منظور أبحاث الدماغ يؤكد «Hart» عن مدى الحاجة لكميات كبيرة من المعطى للدماغ والتي يساعد التعاون في توفيرها. في إتاحة الفرصة للطلاب بمعالجة المعلومات أو توظيفها عمليًا كأحد العناصر الرئيسة للتعلم. فعمليات التعلم النشطة تؤدي إلى أدمغة نشطة.

إن الفهم الكامل لما يتم تعلمه والقدرة على تطبيقه في مواقف حقيقية يتوقف على توافر فرص عديدة لمعالجة المعلومات في عقولنا واختبارها، والتوسع فيها بما تم تعلمه سابقًا. التعاون مع الآخرين يسمح لنا باختبار تفكيرنا في نفس الوقت الذي نوسع فيه قاعدتنا المعرفية. إن معلما واحدًا يواجه صفًا يتكون من (30) دماغًا لكل منها طريقة مختلفة تمامًا في التعلم، لا يكفي لأداء المهمة. من هنا فإن التعاون، أي قيام الطلاب بتعليمهم بعضهم بعضًا، يعد بنية أساسية للبيئة التعلمية المنسجمة مع الدماغ والجسم. 

4- البيئة الغنية الحسنة: 

الحواس هي طاقات للمعرفة ونوافذ للتعلم، وكلما تضافرت قوى الإحساس في مجال التعلم كان التعلم فاعلًا وكانت مخرجاته أفضل. والحواس التي يملكها البشر ليست خمس حواس فقط، بل إن البشر يملكون على الأقل (19) حاسة. وليس بمستغرب أن يكون هناك ترابط مباشر بين عدد الحواس التي يتم تنشيطها ومواقع النشاط الدماغي. فكلما كان مدى المعطيات الحسية أكبر، زاد النشاط الفسيولوجي في الدماغ وزاد نموه، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى مزيد من التعلم وإلى زيادة احتمال الاحتفاظ بذلك التعلم في الذاكرة الطويلة الأجل.

إن البيئة التعليمية المثالية هي بيئة تعلمية تركز المعطى الحسي على المفهوم أو المهارة المراد تعلمها وتعد زيادة المعطى الحسي هدفًا مهمًا وذلك لأسباب:

-
إن المعطى القادم عبر الحواس هو الطريقة الوحيدة التي يستخدمها الدماغ لإحضار معلومات من العالم الخارجي. 

-
تمكن الكميات الكبيرة من المعطى الحسي الطلاب من استيعاب المفاهيم والمعلومات بدقة وبشكل كامل، وتزيل الفهم الخاطئ. 

-
تسبب كميات كبيرة من المعطى الحسي تغييرات فسيولوجية في الدماغ تؤدي إلى ظاهرة التعلم. 

5-  المحتـوى ذو المعـنى: 

إن وجود محتوى له معنى بالنسبة للمتعلم يعني ببساطة شديدة تحقيق الاهتمام من قبل المتعلم بالنسبة للمحتوى. إن هذا الاهتمام يساعد على ربط الخبرات السابقة ذات الصلة بالتعلم الجديد، وهو ما يوفر صندوقًا بريديًا في الدماغ يكون جاهزًا لاستقبال ومعالجة المفاهيم والمهارات ذات الصلة، كما أنه يقوي الاستجابة الانفعالية لدى المتعلم للمادة المراد تعلمها.

إن الانغماس والحضور في بيئة تعلمية توفر معطيات حسية يسهم ذلك في تحقيق تعلم يقاوم النسيان. فإذا كان الطلاب يحملون مفاهيم خاطئة، فإننا سنحتاج إلى كميات كبيرة من المعطى الحسي لإعادة تنظيم شبكة الروابط في أدمغتهم، فعندما طلب من خريجي جامعة هارفارد وأساتذتهم أن يوضحوا أسباب حدوث الفصول الأربعة، كانوا ومايزالون يطبقون معرفتهم التي حصلوا عليهم في طفولتهم عن المدفأة، بمعنى أنك تشعر بسخونة عندما تقترب منها وببرودة أكثر عندما تبتعد عنها، فكذلك تكون الأرض أكثر سخونة في فصل الصيف لقربها من الشمس، وأكثر برودة في فصل الشتاء لبعدها عن الشمس، على الرغم مما تعلموه في المقررات الثانوية والجامعية. إن جميع ما تعلموه من دروس المتحدث على معلومات غير مباشرة عن طريق المحاضرة والمقررات الدراسية في المرحلة الثانوية والجامعية أخفقت في توفير المعطى الحسي الضروري لإبطال ما تعلموه في طفولتهم عن الأجسام الساخنة. 

«
يمكنك أن تقود الحصان إلى الماء لكنك لا تستطيع أن تجبره على الشرب» مثل ريفي قديم ويصح أن ينطبق أيضًا على المدينة، كما يصح أن ينطبق بشكل خاص على غرفة الصف فالأحصنة تشرب الماء فقط عندما تكون عطشى. والطلاب كذلك يأخذون ما يجدونه ذا معنى بالنسبة لهم. ويبدأ المعنى باستجابة انفعالية، فالانفعال والمعنى مترابطان، فأنت لا تستطيع أن تمتلك قرارًا بالمعنى بدون خطاف انفعالي، وبدون شيء ما يجذب الانتباه ويثير رغبة في أي تعرف أكثر.

6- الخيــارات: 

في الحقيقة أن من غير المعقول إعطاء دماغين مختلفين تمامًا- وليس هناك دماغان متشابهان- نفس المعطى، ثم توقع أن يكون الناتج هو نفسه. إن هذا العمل ليس فقط غير منصف فحسب، بل ينطوي على قسوة أيضًا. فنحن إذا أردنا الحصول على نفس النتاجات التعلمية من أدمغة مختلفة، علينا أن نقدم معطى مختلفًا لكل دماغ، أي كل ما يحتاج إليه كل دماغ للوصول إلى المعيار المطلوب.

إن الاعتماد على الكتاب المقرر فقط لمعالجة قضايا مثل الفروق الفردية والخبرات السابقة، وحاصل الذكاء، والتفضيلات الشخصية، والعمليات الدماغية، يعد أمرًا بالغ السوء.

وحيث إن تركيب كل دماغ يختلف عن الآخر بسبب العوامل الجينية والبيئية، والخبرات السابقة، فإنه يتعين علينا أن نسمح للطلاب بأن يختاروا الأنماط التي تناسبهم لحل مشكلة ما، ما دام أنها تعطي أجوبة صحيحة ونواتج مفيدة. أما أن نطلب من الدماغ أن يعمل بطريقة محددة فتلك هي الطريقة الأسرع للإحباط، وذلك هو التعطيل الكبير للتفكير التأملي.

7- الوقـت الكافــي:

كما أن كل دماغ يختلف عن الآخر، كذلك تختلف طريقة كل طالب عن الآخر في اكتشاف الأنماط، وتكوين المعنى... إلخ. وأيضًا تختلف مساحة الزمن التي يحتاجها كل واحد منهم. 

على أن العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على كمية الوقت التي يحتاجها الطلاب لاكتشاف الأنماط وتكوين المعاني على سبيل المثال هي:

-
الخبرة السابقة. 

-
نوع وكمية المعطى. 

-
تركيب الدماغ (التشابكات القائمة بين خلايا دماغ المتعلم).

بغض النظر عن السبب الذي قد يحتاج المتعلم المزيد من الوقت لأجله، فلا بد من توفير الوقت للطالب. إن إغلاقنا لدفتر العلامات في وجه الطالب- أي عدم تقويمه- لأنه لم يستطع أن يتقبل المهمة في الوقت المحدد هو من أسوأ أنواع التمييز. إذ إن ذلك يبعث برسالة مفادها: إنك إذا لم تكن كبقية الزملاء، فإنك ستفصل ويتخلى عنك. وفي مثل هذه البيئة فإن التركيز لا يكون منصبًا على الإتقان بل على احتياجات البيروقراطية ذات الخطوات المحددة.

إن دفتر العلامات في صف التعليم المدمج يبقى مفتوحًا إلى نهاية العام الدراسى. فإظهار الإتقان في آخر يوم من المدرسة هو بنفس جودة الإتقان الذي يتم في أول يوم.

إن تعلمنا أيًا كان نوعه أو مادته، ومعرفتنا بكيفية استخدام ما تعلمناه، كلاهما يتطلب من الدماغ وقتًا كافيًا ليتمكن من معالجتها، وليحدث تلك التغييرات الفسيولوجية التي تؤدي إلى الذاكرة الطويلة الأجل.

ببساطة، يحتاج النمو البدني- للجسم والدماغ- إلى وقت للاستقصاء، وقت للتأمل، وقت للعلم، وقت للعمل، وقت للمحاولة مرارًا حتى نصل إلى الوضع الصحيح، وحتى نتعلم المفهوم أو المهارة.

ولا شك أن مقدار الوقت اللازم لعمل ذلك يختلف من دماغ إلى آخر وذلك تبعًا لمقدار ما لديه من معرفة سابقة ذات صلة بالمهمة الحالية، وتبعًا لما يفضل الدماغ العمل عليه، وأخيرًا تبعًا للميول والحماس الشخصى.

8- التغذية الراجعة الفورية: 

يؤكد «Hart» أن أصعب شيء على الدماغ هو أن يتخلى عن شيء سبق تعلمه. كلنا مررنا بالمشكلة التالية. هل التهجئة الصحيحة هي Maintannence أم Maintainence أم Maintenance؟ وفي كل مرة نضطر فيها إلى تهجئة الكلمة، ألا تبرز جميع الخيارات الثلاثة أمامنا بقوة وتنافس؟ لماذا؟ لأنه في كل مرة تأتي فيها هذه التهجئات متزامنة إلى الدماغ كخيارات، فإن ترتيبها في الذاكرة يتعزز بنفس الدرجة. أو ماذا بشأن الإشارتين > و< هل العدد الأبعد عن الطرف المدبب هو الأصفر؟ أم أن ذلك يعتمد على الترتيب الذي تنطق به هذين العددين؟ أو توقف، لا أعرف لديك مشكلة في تعلم ذلك لأن الجواب الخطأ مخزن أو مرتب في الذاكرة بنفس قوة تخزين الجواب الصحيح في كل مرة نحاول فيها أن نتذكر أي الخيارات هو الصحيح.

أن الهدف الأول من التغذية الراجعة الفورية هو منع هذا النوع من الخلط أو التشويش العقلي. ولذا، قدم تغذية راجعة للطلاب قبل أن يبدؤوا بممارسة شيء ما بطريقة غير كاملة. فالتغذية الراجعة الفورية تساعد على تأمين توصيل الطلاب إلى فهم كامل وصحيح للمهارة أو المفهوم، وهذا مهم خاصة عندما يبدأ الطلاب دمج الخبرات الجديدة بالمعارف السابقة. فعلى سبيل المثال شريط فيديو يقدم مثالًا مدهشًا على كيف أن خبرات الأطفال مع الحرارة (كلما اقتربت أكثر، زادت الحرارة) تطغى على ما يتلقونه من محاضرات وما يدرسونه من مقررات. وكما توضح المقابلات مع الطلاب المتخرجين في جامعة «Harvard» فإنه حتى العمل على مقررات دراسية في الحركة المتطورة للكواكب يمكن أن تفشل في تبديد الافتراض الخاطئ الذي تكوّن لديهم في مرحلة الطفولة والذي يقول بأن فصل الصيف يتصف بالحرارة لأن الأرض تقترب أكثر من الشمس. 

إن التركيز الحديث على أن يكون التعليم الأولي فاعلًا، والتأكد من أن الطلاب يتعلمون شيئًا ما بشكل صحيح ومتقن من أول مرة هو خطوة في الاتجاه الصحيح.

9-  الإتقــان: 

إن أحد أكبر الإحباطات التي تجابه المعلمين قول الواحد منهم: لقد علمت هؤلاء الطلاب ولكنهم لم يتعلموا.. ماذا حدث؟ إن الإتقان في نموذج التعليم المدمج، يعني إتقانا في نموذج التعليم المدمج، يعني إتقان الدخول عبر معترك الحياة، وهو هدف أسمى من الحصول على علامة عالية في اختبار اختيار من متعدد. أو في اختبار صح/ خطأ. إن وصول ما نسبته 20% فقط أو أقل من طلاب الصف إلى مستوى الإتقان وفقًا للمنحنى الجرسى، يعد نتيجة غير مقبولة في مقابل بلايين الدولارات التي تنفق على التعليم. وعلاوة على ذلك، توضح أبحاث الدماغ بشكل جلي أنه بدون أن يكون هناك معنى لما يتم تعلمه، لا يبقى شيء للدماغ ليتذكره سوى التشويش وربما النفور من الموضوع الدراسي. 

وللتحقق من مدى إتقان الطلاب في صف التعليم المدمج فإنه ينبغي الإجابة عن سؤالين اثنين يعكسان مفهوم التعلم المنسجم مع أبحاث الدماغ وهما: 

ماذا نريد من الطلاب أن يفهموا؟ 

ماذا نريد منهم أن يعملوا بهذا الفهم؟

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق